هل التجربة أساس بناء النظرية العلمية ؟ تحليل سؤال
المحتويات
تحليل المعرفة على مجموع المعارف والمكتسبات التي تم بناؤها بشكل منهجي بالاعتماد على قدرات ومهارات عقلية وتقنيات وأدوات تجريبية، فالمعرفة ليست جاهزة للأخذ، بل هي بناء يتم وفق جدلية تجمع بين الذات والموضوع بهدف فهم ظواهر الطبيعة، ويمكن اعتبار مفهومي؛ النظرية كبناء عقلي رياضي خالص والتجربة كمفهوم مرتبط بالواقع الملموس الذي يخضعه العالم لشروط محددة وجهين لهذه الجدلية التي تثير إشكال أو قضية أساس بناء النظرية العلمية، وهو الإشكال الذي يعبر عنه مضمون السؤال، ويطرح مفارقة : تعتبر التجربة مبدأ المعرفة العلمية، ليست التجربة أساس بناء النظرية العلمية، مما يدفعنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات: ما التجربة؟ وما النظرية العلمية؟ وعلى أي أساس يقوم العلم أو النظرية العلمية؟ هل على أساس التجربة والواقع أم العقل أم أن النظرية العلمية تقوم على أساس مزدوج؛ النظرية والتجربة معا؟ وبأي معنى يمكن اعتبار التجربة مصدر النظرية العلمية؟ كيف تبنى نظرية علمية اعتمادا على التجربة؟
حل السؤال : هل التجربة أساس بناء النظرية العلمية ؟ تحليل سؤال
يؤكد مضمون السؤال الذي بين أيدينا أطروحة مفترضة مفادها أن التجربة هي أساس النظرية العلمية، أي أن التجربة وحدها نقطة انطلاق العلوم، فمن أجل الوصول إلى حقائق حول ظواهر الطبيعة لابد من اخضاعها للتجربة العلمية، أطروحة تعبر عن تصور معين لعلاقة النظرية بالتجربة، تصور يراهن على التجربة كأساس لبناء النظرية العلمية، ويطالبنا السؤال بشكل ضمني إن كنا نقبل بهذه الأطروحة أو التصور أم لا، يتضح هذا من أداة الاستفهام “هل”، التي تفيد الإثبات أو النفي للأطروحة التي يعبر عنها مضمون السؤال، وتفيد كلمة “تعتبر” التأكيد على أن التجربة هي منطلق النظرية العلمية، أما مفهوم التجربة في دلالتها العلمية فتحيل على معنى التجريب أي اخضاع الظاهرة الطبيعية لشروط منهجية محددة يصنعها العالم بنفسه، ويحيل لفظ “الأساس” على المبدأ أي مصدر الشيء وأصله، أما النظرية العلمية فتحيل إلى المعرفة التي يتم استخلاصها موضوعيا وبدقة حول قوانين الطبيعية. وهكذا فلا يمكن تأسيس العلوم أي نظرية علمية إلا إذا انطلق العالم من التجربة، بهذا المعنى يكون للتجربة أو التجريب الدور الريادي والأساسي فهو وحده ما يمنح نظرياته طابعها العلمي، وفي هذا الإطار يمكن استحضار موقف “كلود برنار” الذي بين، أهم خطوات المنهج التجريبي ( الملاحظة، الفكرة، التجريب، الاستنتاج). إذ يمثل التجريب العلمي عنده أساس بناء النظرية والقوانين العلمية، ولتأكيد ذلك قدم لنا “برنار” مثالا (تجربة الأرانب) عن عملية التجريب وكيف يساهم في صياغة قوانين ونظريات علمية، فقد لاحظ أن الأرانب رغم كونها كائنات عاشبة بالت بولا صافيا وأكثر حموضة مثل أكلة اللحوم، فصاغ فرضية انطلق منها وللتأكد من صحتها قام بعدة تجارب حيث قدم الطعام للأرانب وبعد فترة بالت بولا مكدر اللون وغير حمضي ومنع عنها الطعام لفترة فتغيرت النتيجة حيث كان بولها صافيا وحمضيا، وللتأكد من النتيجة أجرى التجربة على الخيول فحصل على النتيجة نفسها، فصاغها في قانون عام يمكن تعميمه وتفسير ظواهر أخرى مشابهة من خلاله، هو أن كل الكائنات العاشبة عندما تمسك عن الطعام تشبه الكائنات اللاحمة بحيث يتحول لون بولها من مكدر غير حمضي إلى صاف وحمضي.