والحوار ليس مجرد مناظرة أو مناقشة عادية ولا يتعلق بتاتًا بإقناع الآخرين بالموافقة على وجهة نظر الآخر أو تغيير ما يؤمنون به، إنما يرمي الحوار إلى تخطي عقبات سوء الفهم وتبديد الصور النمطية من أجل تعزيز التفاهم المتبادل.
والعملية الحوارية متمحورة في الأساس حول تنمية الاحترام المتبادل بغية بناء علاقات مستدامة. لذلك، فأنت تراها تركز تركيزًا كبيرًا على توضيح كل من أوجه التشابه والاختلاف في أي موضوع بين شخصين أو مجموعتين من الناس، كما أنها تبني جسورًا من التفاهم بين أصحاب الآراء المختلفة سعيًا إلى تحويل العلاقات الإنسانية القائمة على الجهل والتعصب إلى حالة أعمق من الفهم والاحترام لما هو مشترك وما هو غير مشترك.
الفرق بين الحوار والجدال
المحتويات
الحِوار من المُحاورة، ويعني المُراجعة في الكلام، أمّا الجِدال فهو يُستعمل لِمن يُخاصِم ويشغِل عن ظهور الحق، ويُستعمل أيضاً لِمُقابلة الأدلّة لِظهور أرجحها، ويَحمِل الحِوار والجدال دلالة واحدة، وقد اجتمعا في القرآن الكريم في آيةٍ واحدة، قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، والمعروف عند النّاس أنّ الحِوار والجدال يُعتبران نِقاشاً بين طرفين أو أكثر بِقَصد إظهار حُجّة مُعيّنة، وإثبات حقّ، ورَدّ لِلفساد.
أهداف الحِوار
الهدف الأصلي من الحِوار هو إقامةُ الحُجّة، ودفعُ الشُّبهات، والآراء، والأقوال الفاسِدة، أمّا الأهداف الفرعيّة له فهي:
- معرفة وجهات نظر الأطراف الأخرى حِيال أمرٍ مُعيّن.
- البحث من أجل الوُصول إلى نتائج أفضل واستخدامها في حِوارات أخرى.
- إيجاد حلّ وسطيّ يُرضي جميع الأطراف المُتحاورة.
- إقناع الطّرف الآخر باستِخدام أدِلّةٍ واضِحةٍ.
- تعديل وتقويم الأفكار غَير الصّحيحة .
آداب الحِوار
للحِوار آدابٌ يَنبغي على الأطراف المُتحاوِرة الالتزام بها، وهي:
القول الحَسَن واجتناب أسلوب التحدّي
يَجِب على الشّخص المُحاوِر أنْ يُناقِش بِأسلوب حَسَن بعيدٍ عن التّجريح والإساءة للطّرف الآخر، فلا يَتعمَّد أن يُوقِعه في الإحراج و يَتحدَّاه، كما يَجب عليه أنْ يتحلّى بِالأَدب واللباقة أثناء الحَديث، وأنْ يبتعِد عن السُّخرية وإثارة غضب الطّرف الآخر والاستهزاء به.
الالتزام بوقت مُحدّد للحديث
لِكلّ شخص قُدرة مُعيّنة على التّركيز والسّماع للطّرف الآخر، فَينْبغي على المُحاور أنْ لا يُكثِر من الكلام، وإنمّا الحديث باختصار، وأنْ يُراعي رغبة الآخرين في الحديث وقيمة وقتهم، والأفضل لِلمتحدّث أنْ يُنهِ حديثه قبل أنْ يَنتاب النّاس الشّعور بالملل والشُّرود.
حَصْر الحِوار في مكان مَحدود الحُضور
إنّ الحِوار في جَلسةٍ جماهيريّة من شأنِه أنْ يُؤدّي إلى حدوث فوضى، وتشويش الأفكار، وتَغطية الحقّ، إضافةً إلى أنّه من المُمكِن أن يجد أحد الأطراف صعوبةً في التّسليم للطّرف الآخر أمام الحضور، لِذلك ينبغي أنْ يكون الحِوار في جلسةٍ مَحدودة الحُضور.
حُسْن الاستماع وعدم مُقاطعة الطّرف الآخر
يَجِب على الشّخص المُحاور أنْ يتحلّى بِحسن الاستماع والإصغاء لِلطّرف الآخر، وعليه أنْ لا يَحصُر تفكيره بالرّد على الشخّص المُتحدّث أثناء حديثه وأنْ لا يُعطي اهتماماً لِما يَقوله. احترام الطّرف الآخر يَجِب أنْ يكون الحِوار بين الأطراف قائِماً على احترامِ بعضهم البعض والتحدّث بِأسلوبٍ وعِبارات لائِقة، وعليهم ألّا يحولوا الحِوار إلى مُبارَزة ألفاظ جارِحة وطاعِنة، وإنّما يَلزَم تقدير بعضهم البعض وإعطاء كلّ طرف حقّه في الحديث.
الإخلاص
على المُتحاوِر أنْ يكون مُخلِصاً ولَدَيه هَدَف واضِح من الحِوار وهو الوُصول لِلحقيقة، بعيداً عن الرّياء وإظهار النّفس أمَام الآخرين، وعليه أنْ يُوقِف الحِوار إذا بَدأت حالة الخِصام والتّنازُع وذلك للحِفاظ على آداب الحِوار.