لماذا يذم الاسلام الابتداع , والبدعة مشتقة من بدع أي اخترع على غير مثال سابق. قال الله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة: 117) , أي مخترعهما من غير مثال سابق, وقوله تعالى: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) (الأحقاف: 9) أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد، بل تقدمني كثير من الرسل. يُقالُ: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق، وهذا أمرٌ بديعٌ، يُقالُ في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسْن، فكأنه لم يتقدمه ما هو مثله ولا ما يشبهه.
تجدر الاشارة الى أن كل عبادة أحدثها الناس لم تكن فيما شرعه الله على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، فإنها بدعة سواء سميت دستورًا أو سميت باسم آخر فلا عبرة بالأسماء، الله أكمل الدين وأتمه سبحانه وتعالى، فمن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله فبدعته مردودة عليه، قال الله تعالى: ” أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ “ [الشورى:21].
البدعة ضلالة تحبط العمل
المحتويات
يعتبر الابتداع في الدين ضلالة و هو من أعظم أسباب حبوط الأعمال، و يشمل ذلك المبتدع و متبع المبتدع، ففي الحديث: ” من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”. و صاحب البدعة ممن زُيِن له سوء عمله فرآه حسنا، و لذلك لا ترجى له توبة بخلاف العاصي، و في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة”. (رواه المنذري و الطبراني و حسنه الألباني). و أخطر البدع ما يتعلق منها بالعقيدة كالتكفير بالكبيرة عند الخوارج و تأويل الأسماء و الصفات كقول بعضهم: ( استوى بمعنى استولى و النزول بمعنى نزول الأمر، و اليد بمعنى القدرة…) و القول بسقوط التكاليف و الحلول و الاتحاد و صرف العبادة للمقبورين عند البعض، و تقديم العقل على النقل عند آخرين، و القول بعصمة الأئمة و سب و تكفير الصحابة عند طائفة أخرى من المبتدعة. و المبتدعون يسمون بأهل البدع و أهل الأهواء.
نشأة البدع
ترجع نشأة البدع إلى الأسباب الآتية:
(1) الجهل بأدوات فهم القرآن الكريم من حيث الألفاظ ومعانيها وأساليبها.
(2) الجهل بمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء.
(3) تحسين الظن بالعقل.
(4) اتباع هوى النفس البشرية بغير دليل شرعي.
(5) القول في الدين بغير علم وقبول ذلك من قائله.
(6) الجهل بسُّنة نبينا محمد ﷺ ويشتمل على أمرين هما:
- الأول: الجهل بالتمييز بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة.
- الثاني: الجهل بمكانة السنة من التشريع الإسلامي وأنه لا يمكن الاستغناء عنها.
(7) اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة من العلماء المبتدعين، وابتغاء تأويله من الجهلة المتعالين.
(8) الأخذ بغير ما اعتبره الشرع طريقاً لإثبات الأحكام الشرعية.
(9) الغلو في تعظيم بعض الأشخاص إلى درجة إلحاقهم بما لا يستحقونه.
خطر البدع وأضرارها
إن المسلم العاقل يعلم تماماً أن جميع البدع المحدثة في الدين مذمومة لأن في اتباعها خروجاً عن صراط الشريعة المستقيم، ويمكن أن نجمل أضرار البدع فيما يلي:
- إن العقول لا تستقل بإدراك مصالحها دون الوحي الإلهي، فالابتداع مضاد لهذا الأصل، لأن الابتداع ليس له دليل شرعي، فلا يبقى للمبتدع دليل إلا العقل، فالمبتدع ليس على ثقة من الحصول على ثواب الله تعالى في الآخرة، بسبب العمل بهذه البدع.
- إن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان، لأن الله تعالى قال فيها: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3) وثبت أن النبي ﷺ لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يحتاج إليه في أمر الدين والدنيا، وهذا لا مخالف عليه من أهل السُّنة، فالمبتدع إنما محصول قوله بلسانه حاله أو مقاله، أن الشريعة لم تتم وأنه بقى منها أشياء يجب أو يُستحب استدراكها لأنه لو كان معتقداً لكمالهما وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولم يستدرك عليها، وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.
- قال ابن الماجشون: سمعت مالكاً يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً ﷺ خان الرسالة، لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فما لم يكن يومئذ دنياً، فلا يكون اليوم ديناً.